الثلاثاء، 24 يوليو 2012

كيف عالج الإسلام البطالة؟ بقلم: عبد القادر المطري

الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وليّ الصالحين، وأشهد أن محمداً  عبده ورسوله. أما بعد: فهذا ملخص لبحث بعنوان:
" البطالة ومعالجة الإسلام ".
وهذا البحث هو جزء من مساق " النظام الاقتصادي في الإسلام" الذي درّسه د. عفيف حمد، كمتطلب إجباري بالدراسات العليا، دائرة الدراسات الإسلامية المعاصرة، بجامعة القدس، في الفصل الثاني للعام الدراسي 2009/2010.



البـــاب الأول

البطالة: تعريفها، أنواعها، أسبابها

الفصل الأول: تعريف البطالة


أ- لغة:

1- جاء في المعجم الوسيط تحت مادة (بَطَلَ):
"بَطَلَ الشيء بُطْلاً، وبُطولاً، وبُطْلاناً: ذهب ضياعاً..وبطل فسد وسقط حكمه، ..وبطل
العامل بِطالة: تعطّل. فهو بطّال" .
2- وجاء في المصباح المنير تحت نفس المادة:
"..وبَطَلَ الأجير من العمل فهو بطّال بيّن البَطالة بالفتح، وحكى بعض شارحــــي
المعلقات البِطالة بالكسر وقال هو أفصح، وربما قيل بُطالة بالضم حملاً على نقيضهـا
وهي العُمالة" .
3- كما جاء في المفردات للأصفهاني تحت نفس المادة:
"الباطل نقيض الحق وهو ما لا ثبات له عند الفحص عنه..ويقال للمستقل عمّا يعود بنفع
دنيوي أو أخروي بَطّال وهو ذو بِطالة بالكسر.." .
ويلاحظ من جميع هذه التعريفات أن مادة بطل تحمل في طياتها معاني الضياع، والفساد، والخسران، والسقوط، والتعطّل، كما يلاحظ أن الأصفهاني اعتبر "البطّال"، أو "ذو البطالة" أنه القاعد عن السعي لمنفعة الدنيا أو الآخرة.

ب- اصطلاحاً:

1- التعريف الفقهي:
"هي العجز عن الكسب، وهذا العجز إما أن يكون ذاتياً كالصغر والأنوثة والعته والشيخوخة والمرض، أو غير ذاتي كالاشتغال بتحصيل العلم، وكذا العامل القوي الذي لا يستطيع تدبير أمور معيشته بالوسائل المشروعة المعتادة، أو الغني الذي يملك مالاً ولا يستطيع تشغيله، بينما لا يعتبر التفرغ للعبادة من العجز" .

2- تعريف منظمة العمل الدولية:

يمكن تعريف البطالة من خلال تعريف العاطل، فقد عرفت منظمة العمل الدولية العاطل بأنه: "كل من هو قادر على العمل وراغب فيه، ويبحث عنه، ويقبله عند مستوى الأجر السائد، ولكن دون جدوى" . وبذا يمكن القول أن تعريف البطالة بأبسط معانيها:
"عدم الحصول على فرصة عمل أو وظيفة لكل قادر على العمل محتاج إليه" .

الفصل الثاني: أنواع البطالة


1- من حيث إرادة العاطل:

أ- البطالة الاختيارية: وتتمثل في رفض الشخص القادر على العمل للوظيفة، حيث يرى أنها لا
تتناسب مع مؤهلاته مثلاً، أو للرغبة في الراحة عند توافر مصدر جيد للدخل.
ب- البطالة الإجبارية: أي تحدث البطالة رغماً عن الفرد ذاته، فنجد أن الشخص القادر على العمل
والراغب فيه يبحث عنه ولكنه لا يجده. وتظهر عادة في حالة تسريح العمال
أو تصفية الشركات.

2- من حيث الظهور والخفاء:

أ- البطالة السافرة (الصريحة): وهي عبارة عن وجود أفراد قادرين على العمل، لكنهم لا
يستطيعون الحصول على وظائف.
ب- البطالة المقنعة: وهي ليست بطالة حقيقية، إنما هي عبارة عن سوء استخدام للأيدي العاملة.
ويقصد بها أن قوة العمل التي تشغل بعض الوظائف، لا تؤدي دوراً ملحوظاً،
أي عمالة فائضة لا حاجة لها.

3- من حيث توقيت البطالة:

أ- البطالة الدورية: وهي البطالة التي تظهر بسبب الدورة الاقتصادية، وتنتج عن دورية النظام
الرأسمالي المنتقلة دوماً بين الانتعاش والتوسع الاقتصادي، وبين الانكماش
والأزمة الاقتصادية.

ب- البطالة الموسمية: وهي تظهر بسبب تباين المواسم وطبيعة العمل، حيث أن هناك أعمالاً لا

يمكن تأديتها إلا خلال مواسم معينة من السنة، ولذ يظل العمال الذين
يمارسونها في حالة بطالة بقية السنة، مثل الزراعة، مواسم الحج والعمرة،
مواسم الأعياد والرحلات.
ج- البطالة الجزئية: وتظهر بسبب الانتقال من وظيفة لأخرى، حيث يكون العاطل في وقت انتظار
قبوله في وظيفة جديدة، أو الحصول على إخلاء طرف من الوظيفة القديمة
بلا عمل.

4- من حيث تأثير السوق:

أ- البطالة الاحتكاكية: وهي ناتجة عن تنقل العمال ما بين الوظائف والقطاعات والمناطق المختلفة.
ب- البطالة الهيكلية: وهي المرتبطة بهيكلة الاقتصاد، أي الناتجة عن التحولات الاقتصادية من تغير
في الطلب على المنتجات أو من التقدم التكنولوجي، أو انتقال الصناعات إلى
بلدان أخرى بحثاً عن شروط استغلال أفضل وربح أعلى.
ج- البطالة التكنولوجية (الفنية): وتنتج عن استبدال اليد العاملة بالتقدم التكنولوجي، أي الميكنة.

وهنالك تقسيمات أخرى لأنواع البطالة ليس هذا المجال لذكرها. ولأغراض بحثنا هذا سنركز على معالجة الإسلام للبطالة من حيث كونها إجبارية أو اختيارية.


الثالث: أسباب البطالة


أولاً: أسباب البطالة الاختيارية:

1- رفض بعض الأفراد العمل في مهن معينة بحجة أنها لا تناسبهم.
2- اعتماد بعض الأفراد على الوالدين.
3- الشعور بالكسل.

ثانياً: أسباب البطالة الإجبارية:

1- التقدم التكنولوجي.
2- خروج المرأة للعمل.
3- معدلات النمو الاقتصادي المنخفضة.
4- ضعف نظم التعليم والتدريب.
5- استغلال أصحاب العمل للعمال: ساعات العمل الإضافية وأحياناً بلا أجر-
تشغيل الأطفال.

ويمكن جمع هذه العوامل كلها في جملة واحدة: "عدم قيام الدولة بما هو واجبها في هذا المجال".










البــاب الثاني

الآثار المترتبة على البطالة

"إن البطالة لها من الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي لا يمكن إهمالها، فالبطالة تشكل السبب الرئيسي لمعظم الأمراض والمشكلات الاجتماعية في أي مجتمع ( التطرف، الإرهاب، المخدرات، الجريمة بأنواعها...الخ ) كما أنها تمثل تهديداً واضحاً على الاستقرار السياسي والترابط الاجتماعي.." .

ويمكن رصد آثار البطالة على المستويات التالية:

الفصل الأول: الآثار النفسية


1- الإصابة بالإحباط، وعدم الثقة بالنفس، والاكتئاب، والقلق، والشعور بالفشل.

2- وجود مشاعر الكراهية والحسد والغيرة.
3- ظهور الخمول والكسل؛ لأن الإنسان قد يصاب بالفتور بمرور الوقت والزمن، ويصبح الخمول
والكسل عادة له.
4- الفراغ القاتل، الذي يحدث عند الفرد، مما قد يوجه تفكيره إلى المحرمات والجرائم.

الفصل الثاني: الآثار الاجتماعية


1- إضعاف الروابط الأسرية، وتفكيكها.

2- الشعور بعدم الانتماء للمجتمع، ومحاولة تعويض ذلك بالانتماء لجماعات إجرامية
أو متطرفة.
3- التوجه للجريمة والانحراف مثل تعاطي المخدرات، أو السرقة... الخ.
4- الهجرة لخارج البلاد مما يحرمها من ثروتها البشرية.

الفصل الثالث: الآثار الاقتصادية


1- إهدار الطاقات الإنتاجية مما يؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي.

2- ضعف القوة الشرائية تدريجياً بالسوق الداخلي؛ مما يؤدي إلى تأثر عملية العرض والطلب
بالسوق، وتراجع النشاط الاقتصادي.
3- إنفاق الدولة لتمويل برامج المعونة الاجتماعية – إن وجدت – أو لمحاربة الجريمة التي ترجع،
جزئياً، إلى البطالة.

الفصل الرابع: الآثار السياسية

1- ظهور التوتر في العلاقة بين المجتمع والدولة مما يؤثر على استقرار الدولة.
2- الشعور بعدم الانتماء للمجتمع والدولة قد يؤدي إلى السقوط في هاوية العمالة أو فخ
التطرف.


البــاب الثالث

معالجة الإسلام لمشكلة البطالة

الفصل الأول: الإسلام والعمل


لقد أخذ العملُ في الإسلام مكانة لا تدانيها مكانة فلم يحدث أن دينًا من الأديان السابقة أكد قيمة العمل وقيمة الفرد العامل كما فعل الإسلامُ الذي جعل العملَ واجباً إسلامياً مفروضاً على كل إنسان مهما علا شأنه أو صغر، وقرر منذ بدء دعوته أن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، وأنه قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح، ومن هنا كان الارتباط والاقتران بين الإيمان والعمل في آيات كثيرة من كتاب الله الكريم؛ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَن عمَلا) الكهف: 30، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا)، الكهف: 107،

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ)، يونس: 9، فلا إيمان إلا بالعمل الصالح الذي يؤكد هذا الإيمان تأكيداً عملياً من خلال الكد والاجتهاد والبحث عن الرزق وإعمار الأرض.
ولقد حرَص الإسلام على دفع المسلمين إلى العمل، وحضهم عليه، وترغيبهم فيه، وفتَحَ أمامهم أبوابَ العمل الصالح على مصراعيها؛ ليختار كلُّ إنسان ما يناسبُ قدراتِه وإمكانياتِه ومهاراته من عمل طيب، وجاء الأمرُ بالانتشار في الأرض بعد الصلاة طلبا للرزق؛ فقال تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، الجمعة: 10.
ووردت أحاديث كثيرة تبين فضل الكسب والمهن والحرف اليدوية؛ فعن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله  قال: "ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده" . وفي الحث على المزارعة والغرس، روي عن أنس بن مالك أن رسول الله  قال: "ما من مسلم يزرع زرعاً أو يغرس غرساً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة" .
ولقد كان الرسلُ والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم من أحرص الناس على العمل إلى جانب الدعوة إلى الله فكان نوحٌ نجاراً، وكان إدريس خياطاً، وكان داود حداداً، وكان موسى أجيراً عند شعيب، وكان نبينا عليه الصلاة والسلام يرعى الغنم، ويعمل بالتجارة قبل البعثة.
وقد اقتدى به الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- فحرَصوا على العمل والسعي في طلب الرزق؛ فكان منهم الصانع والتاجر والزارع، وكانوا يتمتعون بالغنى وسعة الرزق ويمارسون أعمالهم مع انشغالهم في الدعوة والجهاد في الغزوات والحروب والفتوحات التي كانوا يحققون فيها النصر والظفر.

الفصل الثاني: الإسلام والبطالة


قد رأينا كيف نظر الإسلام للعمل كقيمة عالية، حاثاً عليها، ومرشداً إليها. أما البطالة، فقد أخذ منها الإسلام موقفاً عكسياً تماماً، فقد بث في روع أتباعه النفور منها، والبغض لها، ولنقف الآن مع بعض الأخبار والآثار الدالة على صحة ما نقول:

1- فقد روى أحمد والبخاري وابن ماجه عن الزبير بن العوام -رضي الله عنه- أن رسول الله  قال: "لأن
يأخذ أحدكم حبله فيأتي الجبل، فيجيء بحزمة الحطب على ظهره، فيبيعها فيكف الله بها وجهه، خير له من أن
يسأل الناس، أعطوه أو منعوه" .
2- كما أنكر النبي عليه على من جاء مستعطياً وهو جلد قوي قادر على الكسب. فقد روى أحمد، والنسائي
وأبو داود عن النبي  أنه جاءه رجلان يسألانه الصدقة، فرفع فيهما البصر وخفضه، فوجدهما جلدين قويين
فقال: "إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب" .
3- كما أنه توعد سائل الناس عن غير حاجة، أي محترفي التسول، فقال : "لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى
الله وليس في وجهه مزعة لحم" .
4- ومرَّ عمر رضي الله عنه بقومٍ من أهل اليمن جاءوا إلى الحج بلا زاد، فقال: "من أنتم؟ فقالوا: المتوكلون.
فقال: بل أنتم المتواكلون، إِنما المتوكل رجلٌ ألقى حبه في بطن الأرض وتوكل على ربه عز وجل .
5- وقال عمر رضي الله عنه: "لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني، فقد علمتم أن السماء لا
تمطر ذهباً ولا فضة" .
6- وكان عمر "يرى الرجل فيعجبه منظره، فيسأل: أله حرفة تغنيه عن سؤال الناس؟ فإن تبين أنه لا حرفة له،
سقط من نظره وازدراه" .
7- وقال ابن مسعود: "إني لأكره أن أحد الرجل فارغاً لا في أمر دنياه ولا في أمر آخرته" .


الفصل الثالث: دور الدولة في علاج البطالة


ينبع موقف الإسلام من العمل، من فكرة الاستخلاف في الأرض، لأنها لن تتحقق إلا بالحركة والتغيير والعمل، ومصداق ذلك قوله تعالى: (ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون)، يونس:14.

"والعمل في عرف الإسلام يعد حقاً وواجباً في آن واحد، فهو حق للفرد على المجتمع بتوفيره، وواجب عليه أيضاَ تجاه المجتمع. وينبني على ذلك التزام المجتمع بتوفير العمل لكل قادر، والتزام كل قادر بتقديم العمل إلى المجتمع. وإذا لم يتكاتف المجتمع كله في توفير العمل، أثمت الجماعة كلها ممثلة في الدولة، لأنها قصرت في توفير الجو الملائم لكي يظهر كل إنسان استعداده وقدراته فيحقق بذلك الأمانة التي كلف بها من لدن خالقه: .
ويمكن القول أن دور الدولة الإسلامية في معالجة البطالة قد يأخذ أحد الشكلين التاليين:
1- شكل المعالجة التربوية: ويكون ذلك بإرشاد ونصح العاطلين عن العمل إلى ما يمكن أن يصلح لهم من
أعمال، ولنقرأ معاً هذه الآثار لنفهم كيف تكون مثل هذه المعالجة:
أ- عن أنس بن مالك أن رجلاً من الأنصار أتى للرسول  فسأله (أي سأله حاجة)، فقال رسول الله :
"أما في بيتك شيء" ، فقال الأنصاري: بلى ، حلس (أي كساء غليظ) نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وإناء
نشرب فيه الماء فقال : "ائتني بهما" فأتاه بهم بأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال:" من
يشتري هذه" فقال رجل: أنا فأخذهما بدرهمين فأعطاها إياها رسول الله ، فأخذها منه وأعطاها للأنصاري
وقال: " اشتري بأحدها طعاماً فانبذه إلى أهلك واشتري بالآخر قدوماً فائتني به، فأتاه به فشد به رسول الله
عوداً بيده، ثم قال: "اذهب واحتطب وبع ولا أرينك إلا بعد خمسة عشر يوماً"، ففعل الرجل وعاد لرسول
، بعد انقضاء المدة وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها الآخر طعاماً ، فقال رسول
الله : " هذا خير لك من أن تجيء والمسألة نكته في وجهك يوم القيامة" . ويجمع هذا الحديث فوائد
عظيمة :
1- لم يعالج الرسول السائل المحتاج بالمعونة المادية الوقتية.
2- لم يعالج الرسول  المشكلة بالوعظ المجرد والتنفير من المسألة.
3- جعله رسول الله  بهذه الآلية يعالج مشكلته بنفسه وبشكل ناجح.
4- تعليم الرسول  للرجل السائل وللبشرية بضرورة استغلال الموارد المتاحة وإن صغرت في حجمها
أو نوعها.
5- إرشاد الرسول الرجل للعمل الذي يناسب شخصيته وقدرته، ومهارته وظروفه و البيئة التي يعيش
فيها.
6- أعطاه الرسول  فترة زمنية خمسة عشر يوماً ليعرف مدى ملاءمة هذا العمل للرجل، وهل يحتاج
لعمل آخر أم لا.
7- هيئ الرسول  له ظروف العمل وآلته عندما أخذ الآلة وشدها بحبل.
8- أوجد رسول الله  في نفس الرجل روح المبادرة للعلم وتحدي الصعاب.
9- أصبح هذا الرجل صاحب لمشروع صغير بلغة العصر الحديث.
ب- روي عن نافع قال‏:‏ "دخل شاب قوي المسجد، وفي يده مشاقص-نصال- وهو يقول‏:‏ من يعينني في سبيل الله‏؟‏ فدعا به عمر فأتي به، فقال‏:‏ من يستأجر مني هذا‏ يعمل في أرضه‏؟‏ فقال رجل من الأنصار‏:‏ أنا يا أمير المؤمنين، قال‏:‏ بكم تأجره كل شهر‏؟‏ قال‏:‏ بكذا وكذا، قال‏:‏ خذه، فانطلق به، فعمل في أرض الرجل أشهراً، ثم قال عمر للرجل ما فعل أجيرنا‏؟‏ قال‏:‏ صالح يا أمير المؤمنين. قال‏:‏ ائتني به، وبما اجتمع له من الأجر، فجاء به وبصرة من دراهم، فقال‏:‏ خذ هذه، فإن شئت فالآن فاغزُ إن شئت فاجلس‏" .‏
فانظر معي إلى عمر العبقري – رضي الله عنه - كيف أنه:
1- لم يأذن للرجل في المسألة حتى ولو بحجة الجهاد في سبيل الله.
2- لم يأمر الشاب بالبحث عن العمل، بل مباشرة وفر له العمل المناسب له.
3- جعل من نفسه، بصفته أميراً للمؤمنين، ولياً على الشاب، فوفر له العمل بسهولة.
4- ادخر للشاب جميع أجرته ثم أعطاه إياها، ليترك للشاب الفرصة لإتقان مهنة الزراعة.
5- أعطى للشاب أجرته كلها في نهاية الأمر مخيراً إياه بين الغزو أو الجلوس كعنصر منتج في المجتمع.

2- شكل المعالجة العملية: ويكون ذلك بتدخل الدولة المباشر من خلال بيت المال مثل:


1- القروض:

"وقد أعطى عمر بن الخطاب من بيت المال للفلاحين في العراق أموالاً لاستغلال أرضهم. والحكم الشرعي أن يعطى الفلاحون من بيت المال ما يتمكنون به من استغلال أراضيهم إلى أن تخرج الغلال، وعن الإمام أبي يوسف "ويعطى للعاجز كفايته من بيت المال قرضاً ليعمل فيها" أي الأرض. وكما يقرض بيت المال الفلاحين للزراعة، يقرض من هم مثلهم ممن يقومون بالأعمال الفردية، التي يحتاجون إليها لكفاية أنفسهم في العيش" .
"وكان الوزير العباسي علي بن عيسى - رحمه الله - يسلف المزارعين بالنقود من أجل شراء الأبقار لحراثة الأرض وزراعتها كما أنه عمل على تسليف البذور للمحتاجين من الفلاحين على أن يسترجع ذلك منهم في موسم الحصاد" .

2- السماح بالتحجير:

فقد قال : "من أحيا أرضاً ميتة فهي له". رواه البخاري عن عمر، وقال: "من أحاط حائطاً على أرض فهي له" رواه أحمد وقال: "من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له" رواه الطبراني في الكبير..إلا أن شرط التملك أن يستثمر الأرض خلال مدة ثلاث سنين من وضع يده عليها، وأن يستمر هذا الاحياء باستغلالها..روى أبو يوسف في كتاب الخراج عن سعيد بن المسيب: قال عمر بن الخطاب: (..وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين)" .

3- عطاءات الدولة:

"وذلك بإعطاء من قصرت بهم قدراتهم عن بلوغ ما يحتاجون، من الأموال العامة المنقولة- كالإعطاء من أموال الفيء من بيت مال المسلمين – وغير المنقولة - كإعطاء الأرض لمن لا يملك أرضاً من الفلاحين (الإقطاع) – ويذكر المؤرخون أن رسول الله  لما أجلى بني النضير – جزاء على ما ارتكبوه من الخيانة – واستولى على أموالهم وأراضيهم، وزع هذه الأموال على المهاجرين الأولين، لما كانوا عليه من الفقر والحاجة، ولم يعط الأنصار منها شيئاً لأنهم كانوا في كفاية من مالهم، إلا رجلين من الأنصار هما سهل بن حُنيف وأبا دجانة سِماك بن خَرَشة، فإن رسول الله  قد أعطاهما لأنهما كانا فقراء" .
وفي ذلك يقول النبهاني: "وتعطي الدولة الرعية من ملكيتها إما لسد حاجاتهم، أو للانتفاع بملكيتهم، "كما فعل رسول الله حين قدم المدينة فقد أقطع أبا بكر وعمر، كما أقطع الزبير أرضاً واسعة، فقد أقطعه ركض فرسه في موات البقيع، وأقطعه أرضاً فيها شجر ونخل، وكما أقطع الخلفاء الراشدون من بعده أرضاً للمسلمين" .


خاتمة البحث


رأينا كيف أن البطالة في اللغة تعني الخسران والضياع والفساد، ثم رأينا تعريف البطالة وشروطها.

ثم عرجنا على أنواع البطالة، و أوضحنا بأننا سنقتصر على البطالة من حيث أنها إجبارية أو اختيارية، ثم عرضنا لأسباب كل منهما.
ثم تناولنا آثار البطالة على المستويات: النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مما بين خطورتها.
ثم رأينا كيف قدر الإسلام أهمية العمل، وعدّه عبادة، وحث المسلمين عليها، والحق أن العمل يمثل جانباً مهماً في حياة الإنسان، "فهناك حاجة بيولوجية من الإنسان لممارسة النشاط، وإحباط هذه الحاجة يحدث اضطراباً داخلياً فيه ويجلب الملل، ويولد النفور وقد يؤدي إلى المرض العقلي" . كما نفر من البطالة ونفّر منها، واعتبرها منقصة لكرامة الإنسان.
وقد جاء الإسلام في معالجته لمشكلة البطالة بحلول هو فيها نسج وحده، تميزاً عن حلول الأنظمة الاقتصادية الأخرى، "والإسلام يسير في "سياسة المال" على هدى نظريته العامة، وفكرته الشاملة، يلاحظ أولاً في هذه السياسة – سياسة المال – تحقيق معنى العبودية لله وحده، بأن يخضع تداول المال لشرع الله. وهذا الشرع يحقق مصلحة الفرد ويحقق مصلحة الجماعة، ويقف بين ذلك قواماً لا يضار الفرد ولا يضار الجماعة، ولا يقف في وجه الفطرة، ولا يعوق سنن الحياة الأصلية، وغاياتها العليا البعيدة" .
فقد جعل مهمة مكافحة البطالة موكلة إلى الدولة الإسلامية، باعتبارها المسئولة عن الرعية، فعليها إرشاد الناس إلى ما يصلح معاشهم، وإن عجزوا فعليها توفير فرص العمل بأشكال مختلفة، منها القروض ومنها العطايا، مثل الإقطاع، ومنها الحق في التحجير لإحياء موات الأرض.
عجّل الله في وحدة المسلمين تحت لواء دولة إسلامية واحدة، يرفع الله بها عنّا ما نحن فيه.

وآخِرُ دَعْوانا أَن الحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ضع تعليقك وقول رأيك بحرية وجرأة