الثلاثاء، 24 يوليو 2012

مشكلة البطالة فى مصر بين الواجب والواقع وبين الأقوال والأفعال


مشكلة البطالة فى مصر
بين الواجب والواقع وبين الأقوال والأفعال

إعـــــــــداد


دكتور / حسين حسين شحاتة

الاستشاري بـجــــامــعــــة الأزهــــــر

خبير استشاري فى المعاملات المالية الشرعية

 =======================================


 
 مشكلة البطالة فى مصر
بين الواجب والواقع وبين الأقوال والأفعال

إعـــــــــداد

دكتور / حسين حسين شحاتة

الاستشاري بـجــــامــعــــة الأزهــــــر

خبير استشاري فى المعاملات المالية الشرعية
u - البطالة أشر شر يواجه الإنسان .
أشر شر يهدد الإنسانية هو وجود عامل عاطل ، وهو فى أشد الحاجة إلى العمل وقادر عليه, حتي يستطيع الإنفاق على مطالب الحياة ويساهم فى عمارة الأرض, وعبادة الله, وحماية نفسه من صور الفساد الأخلاقي والاجتماعي والسياسي .
وتنشأ مشكلة البطالة عندما لا يلتزم الإنسان بالفطرة السجية التى خلقه الله عليها ، أو أنه يسئ استخدام ما سخره الله له من نعم ، أو ينحرف عن الرشد فى استغلال الموارد البشرية والطبيعية ، فالإنسان هو سبب هذه المشكلة، ولن تحل هذه لمشكلة إلاّ من خلال الإنسان الرشيد الذى يطبق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
ومن مخاطر مشكلة البطالة أنها تحطم الجوانب المعنوية والنفسية للإنسان ، وتسبب ارتباكاً وخللاً فى الأسرة ، كما أن لها العديد من الآثار السياسية السيئة حيث تسبب خطراً على استقرار الحكم .
وتأسيساً على ما سبق فإن التصدى لها يعتبر من الضروريات الشرعية والواجبات الدينية ، والمسئولية الوطنية ، وهى قضية ولى الأمر والمجتمع بأسره ، سواء بسواء ، ولكن كيف تعالج هذه المشكلة بالفعل والعمل وليس بالقول والأمل هذا ما سوف نتناوله فى هذه الدراسة بإيجاز؟
u -  مشكلة البطالة فى متاهات الأقوال والوعود
يختلف علاج مشكلة البطالة باختلاف أيديولوجية النظام السياسى والاقتصادى ، وفيرى أنصار النظام الرأسمالى الحر أنه يقع على القطاع الخاص مسئولية إيجاد فرص عمل ويكون دور الدولة فى هذا الصدد محدود، ومن سياسة الحكومة دعم هذا القطاع ومساعدته أو التيسير عليه لينطلق لاستيعاب العاطلين, فهل نجح هذا الفكر فى علاجها ؟ للأسف لا كما يرى أنصار النظام الاشتراكي أن على الدولة مسئولية علاج مشكلة البطالة من خلال القطاع العام فهل نجح هذا الفكر فى علاجها؟
لقد ظلت مشكلة البطالة فى مصر فى متاهات المفاهيم والشعارات والوعود والأوهام, فقد سارت الدولة أخيراً فى طريق النظام الرأسمالى الحر ، ووضعت خطة للإصلاح الاقتصادى والذى يقوم على الخصخصة ، ولقد أسفرت تلك الخطة عن مضاعفات سيئة لموضوع التشغيل حيث توقف دور الدولة عن إيجاد فرص للعاملين ، كما أخفق القطاع الخاص فى استيعاب العاطلين ، وضاعف من مشكلة البطالة والكساد الاقتصادي والجات والعولمة وسيطرة فئة من رجال الأعمال على النشاط الاقتصادي ولهذا مظاهره نبينها فى البند التالى.
u -  مظاهر ومخاطر مشكلة البطالة فى مصر
من مظاهر تلك المشكلة فى الواقع العملى فى مصر ما يلى :
C     ضعف الاستثمارات القومية الموجهة إلى المشروعات الاستثمارية الجديدة لاستيعاب العاطلين وتقلص هذا البند من ميزانية الدولة .
C     عدم الرشد فى الخصخصة وظهور ضحايا المعاش المبكر الذي لا يجدون أى عمل سوى المقاهى والجلوس أمام التلفاز .
C              الكساد الذى يواجه القطاع الخاص وفشله فى تشغيل العاطلين.
C     تركيز معظم القطاع الخاص على المجالات التى لا تستوعب عدداً كبيراً من العاطلين، والمعيار هو الربحية العالية واسترداد رأس المال بسرعة .
C     التضييق على فرص العمل فى دول الخليج ، وتفضيل العمالة الهندية والباكستانية ونحوها ، بل ينهون خدمات ما بقى لديهم من المصريين .
C              العائدون من العراق بسبب الحرب، ولا يجدون عملاً .
C     انخفاض معدل الادخار بسبب الفقر وبالتالى ضعف الاستثمار فى مشروعات استثمارية جديدة لأسباب شتى منها ارتفاع الأسعار والحياة الضنك .
C     اتجاه الاستثمارات الأجنبية فى معظمها نحو مشروعات الكماليات والمظهريات والمضاربات والتعامل فى سوق الأوراق المالية .
C              الانفتاح الاستهلاكي السئ مثل كنتاكى وماكدونالدز والملاهى والمصايف وما فى حكم ذلك.

وتأسيساً على ما سبق ، يجب على الحكومة الجديدة أن تركز على الأفعال والأعمال وليس على البيانات والشعارات والوعود والآمال ،هل نحن قوم عمليون؟ وهل تستطيع الحكومة أن تقلل الفجوة بين الواجب والواقع؟,  نحن لسنا فى حاجة إلى مزيد من التحليل والتشخيص والبحث عن الإحصائيات .. ولكن نحن فى حاجة  إلى برامج تنفيذية : كما أمرنا الله سبحانه وتعالى ذلك فى قوله ]وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ[،(  يجب أن تعى الحكومة الجديدة أن قضية البطالة من القضايا التى تتأثر مباشرة بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية ولذلك تحتاج إلى النظرة الشاملة لكافة محاورها ودراسة العلاقات السببية بينها وبين المشاكل الأخرى .
 ويثار السؤال : هل الإسلام هو الحل؟ وهل يوجد لدي علماء الاقتصاد الإسلامي برنامج لعلاج هذه المشكلة؟
u -  المنهج الاقتصادي الإسلامي لعلاج مشكلة البطالة
يقوم المنهج الاقتصادي الإسلامي لعلاج مشكلة البطالة على المفاهيم والأسس الآتية:
C     تنمية الباعث والحافز على العمل بصرف النظر عن التأهيل العلمى والوضع الاجتماعى باعتبار أن العمل عبادة / شرف / قيمة / عزة كما قال رسول الله (e) للصحابي الذي جاء يطلب الصدقة:" اذهب واحتطب ", (المنهج التربوي لإيجاد العامل ذو القيم والأخلاق) .
C      تطبيق الصيغ الإسلامية لتمويل المشروعات الصغيرة والقائم على المشاركة وليس الفائدة ، وهذا هو الاتجاه العالمى الآن (المنتجات الاستثمارية الإسلامية) .
C     إنشاء مراكز التدريب المهنى والحرفى تحت رعاية المنظمات والمؤسسات غير الهادفة للربح مع إعطاء بعض الآمال لدعم المتفوقين لتمويل مشروعاتهم بنظام القرض الحسن أو المشاركة (التدريب الفعال) .
C      الاهتمام بنظام الزكاة والقرض الحسن والهبات والوصايا والوقف لدعم مشروعات علاج البطالة (دور المؤسسات الخيرية الاجتماعية) .
C     تجنب الإسراف والتبذير على المستوى القومى فى النفقات العامة فعلى سبيل المثال توجيه النفقات العامة فى مجال الكماليات والترفيهات وتوجيهها لتمويل المشروعات الصغيرة (ترشيد النفقات العامة).
C    دعم سبل التعاون من خلال الإخوة بين الدول العربية والإسلامية وتطبيق قول الله تبارك وتعالى : " وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى " (السوق العربية الإسلامية المشتركة).
C     توجيه البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية لدعم مشروعات التى تستوعب أكبر عدد من العاطلين البطالة (دور المصرفية الإسلامية فى تمويل المشروعات الاستثمارية) .
C              حماية المشروعات الموجهة لعلاج البطالة من اتفاقيات الجات بقرار جمهوري .
C      إلغاء كافة أنواع الرسوم والضرائب والإكراميات والرشوة التى تعوق مشروعات علاج البطالة (ترشيد الضرائب).
هل يمكن للحكومة الجديدة أن تستفيد من هذا المشروع الاقتصادي الإسلامى لعلاج مشكلة البطالة وتؤمن بقول الله عز وجل:] أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ[ ؟
u -   وجوب النظرة الشاملة إلى مشكلة البطالة :
لا ينبغى التصدى لقضية البطالة بانعزال عن العديد من القضايا والمشاكل القومية الأخرى ، ومنها على سبيل المثال ما يلى:
Ä       قضية التربية والتعليم .
Ä      قضية الضرائب .
Ä       قضية حوافز الاستثمار والتمويل .
Ä       قضية القطاع الخاص والخصخصة .
Ä       قضية العولمة والجات .
Ä       قضية الهجرة .
Ä       قضية التكامل والتعاون بين الدول العربية .
Ä       وهكذا .
وتأسيساً على ذلك يجب أن يكون هناك إصلاحاً شاملاً للقضايا السابقة بالتوازى مع قضية البطالة ، بمعنى أن توضع استراتيجيات متكاملة ومتناغمة فى كافة محاور القضية من منظور عملى فى ضوء الواقع والإمكانيات ، بمعنى أنه يجب أن تعالج هذه القضية من منظور عملى تنفيذى وليس من منظور الدراسات والبحوث والمحاضرات والندوات ... ولا يعنى ذلك التقليل من أهميتها بل يجب أن يحول كل هذا إلى برامج عمل موضوعية قابلة للتطبيق فى ضوء الإمكانيات المتاحة وفى ضوء استراتيجيات وآليات التنفيذ .

u -   السياسات الاستراتيجية لعلاج قضية البطالة .
من أهم السياسات الواجب إعادة النظر فيها لتساهم فىعلاج قضية البطالة ما يلى :
C سياسة التعليم : والتركيز على التعليم المهنى والحرفى فى ضوء متطلبات سوق العمل .
C سياسة التمويل : توجيه الاستثمار نحو المشروعات التى تستوعب أكبر عدد من العاطلين والتى تقع فى مجال الضروريات والحاجيات ودعم الاستثمار طويل الأجل .
C سياسة الضرائب : تخفيض أسعار الضرائب والتركيز على الضرائب على الدخل وعلى رأس المال  وإعطاء إعفاءات للمشروعات المهنية والحرفية والصغيرة والتى تقع فى مجال الضروريات والحاجيات .
C سياسة الخصخصة : ربط الخصخصة بعلاج مشكلة البطالة وليس بالبيع أو بالمعاش المبكر .
C سياسة التدريب : وضع برامج موضوعية ومتخصصة لتحويل مسارات الخريجين حسب متطلبات سوق العمل .
C سياسة اتفاقيات سوق العمل : إبرام اتفاقيات مع الدول العربية والإسلامية بإعطاء أولوية للعمال العرب والمسلمين .
C سياسة دعم وتحفيز مؤسسات المجتمع المدنى فى دعم المشروعات الصغيرة مثل الجمعيات الخيرية والاجتماعية ومؤسسات الزكاة والنقابات ما فى حكم ذلك.
وهذا ما سوف نتناوله فى البند التالى لأهميته القصوى والفعالة والعملية .
u -   دور مؤسسات المجتمع المدنى (الجمعيات) فى علاج مشكلة البطالة.
يؤكد الواقع الذى نشاهده أن للمشروعات الصغيرة والمتناهية فى الصغر دور رئيسى فى علاج مشكلة البطالة من خلال تفعيل مؤسسات المجتمع المدنى وعلى الأخص الجمعيات الخيرية والتى تطبق نظام القرض الحسن ونظام المشاركة المنتهية بالتمليك ونظام الإجارة المنتهية بالتمليك كبديل لنظام الفائدة الربوية والذى ثبت فشله .
وهناك تجارب ناجحة لدور الجمعيات الاجتماعية والخيرية فى علاج المشكلة.. وتتلخص هذه التجارب فى تركيزها على الآتى:
C دراسة موضوعية لطبيعة المشروع الصغير وبيان جدواه والحاجة إليه ، ووضع معايير سليمة لاختياره.
C الاختيار الدقيق للشاب العاطل وتهيئته وإعداده وتدريبه لتشغيل المشروع الصغير المناسب له .
C توفير التمويل اللازم للمشروع الصغير من المصادر المختلفة, منها على سبيل المثال الهبات والإعانات والتبرعات والزكوات والوصايا ..بعيداً عن نظام الفائدة .
C اختيار طريقة التمويل المناسبة للمشروع الصغير ومنها على سبيل المثال:
ـ القرض الحسن على آجال مناسبة .
ـ المشاركة المنتهية بالتمليك خلال أجل مناسب .
ـ الإجارة المنتهية بالتمليك خلال أجل مناسب .
ـ المرابحة الإسلامية  والبيع بالتقسيط .
ـ طرق أخرى .
وتتجنب الطرق السابقة نظام القرض بفائدة لأنه سبب محق البركة والخسران .
C تقديم الدعم التسويقى والفنى والمالى للمشروع الصغير خلال الإنشاء والتشغيل .
C المتابعة والمراقبة المستمرة للمشروع وتقويم الأداء وتنمية الإيجابيات وعلاج السلبيات .
Cالتطوير والتجويد إلى الأحسن للمشروعات الصغيرة وتنميتها .
u -   خلاصة القول:
يقوم المنهج والبرنامج الاقتصادي الإسلامي لعلاج مشكلة البطالة على عدة محاور عملية منها : إعداد الإنسان إعداداً أخلاقياً وفنياً وتوفير التمويل اللازم للمشروعات بالصيغ الإسلامية, وحماية الدولة للمشروعات التنموية من خلال إعادة النظر فى الضرائب ونحوها وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني فى دعم المشروعات الصغيرة, وهذا يؤكد بأن الإسلام هو الحل.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ضع تعليقك وقول رأيك بحرية وجرأة